جرى يوم الجمعة الماضي أول اتصال هاتفي بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومحمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، وفي هذا الاتصال دعاه ترامب لاجتماع في البيت الأبيض، وجاء في البيان الصادر عن البيت الأبيض أن ترامب وعباس ناقشا سبل دفع عملية السلام بما في ذلك اتفاق شامل من شأنه إنهاء الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وأن ترامب أكد اعتقاده الشخصي بأن السلام ممكن، وأن الوقت قد حان لإبرام صفقة لن تعطي الإسرائيليين والفلسطينيين السلام والأمن اللذين يستحقونهما فحسب وإنما سيكون مردود ذلك إيجابياً أيضاً في المنطقة والعالم. كما أكد ما سبق أن أعلنه من أن التوصل إلى السلام يجب أن يُبنى على مفاوضات مباشرة بين الطرفين، وأنه لا الولايات المتحدة تستطيع فرض اتفاق على الطرفين، ولا يمكن ذلك لأي منهما مواجهة الآخر.
وقد رحبت مصادر السلطة الفلسطينية بالدعوة بطبيعة الحال فهي تأتي في وقت تواجه فيه ضغوطاً فلسطينية، بما في ذلك من داخل «فتح» ذاتها، فضلاً عن توتر علاقاتها مع بعض الدول العربية. بل إن المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية وصف ترامب بأنه صريح وشجاع، وهذا مفهوم، ولكنه أضاف أنه يسعى للتوصل إلى اتفاق عادل. وفي المقابل حذرت أصوات فلسطينية من عودة اللهاث وراء سراب المفاوضات، وذكرت أن السلطة لا تملك رؤية سياسية أو استراتيجية للتعامل مع المتغيرات الراهنة، وأن التغني بالدعوة والحديث عن مفاجأة سياسية قريبة أمر مبالغ فيه. وبعد ذلك جرى الحديث عن سيناريوهين محتملين للمستقبل، أولهما قمة ثلاثية يعقدها ترامب مع عباس ونتنياهو، والثاني مؤتمر إقليمي تحضره بالإضافة إلى الأطراف السابقة مصر والأردن وعدد من الدول العربية المعتدلة.
وفي تقييم هذا التطور لابد من إطلالة على بعض الثوابت والمتغيرات، أما الثوابت فهي الموقف الأميركي المنحاز لإسرائيل منذ نشأتها وحتى الآن بل وتفاقم هذا الانحياز عبر الزمن، وعلى رغم ما يظهر من أن عدداً من الرؤساء الأميركيين قد ضاقوا بالسياسة الإسرائيلية فإن أياً منهم لم يترجم هذا الضيق في خطوات تقترب من الحق العربي بحيث انتهت كل المبادرات الإيجابية لرؤساء أميركيين بطرح مشروعات للتسوية إلى لا شيء، ولا تتبقى واقعة واحدة في سجل السياسة الأميركية لم تنحز فيها لإسرائيل سوى إجبار الرئيس الأميركي أيزنهاور لها على الجلاء من سيناء وقطاع غزة في مطلع 1957 بعد عدوان السويس.
ومن الثوابت أيضاً الموقف الإسرائيلي من التسوية الذي يحرم الفلسطينيين عملياً من دولة لها معنى، ولا يتعامل أصلاً مع قضايا محورية كعودة اللاجئين الفلسطينيين، بل إنه بإصراره على يهودية الدولة الإسرائيلية يهدد بتحويل سكانها من الفلسطينيين الذين تمسكوا بأرضهم بعد قيامها إلى لاجئين جدد. وقد لوحظ أن ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي قد امتنع حتى كتابة هذه السطور عن التعليق على الدعوة الأميركية أو فكرة عقد مؤتمر قمة ثلاثي. ولاشك أن ما تظهره الدعوة من أن ترامب يتعامل مع الفلسطينيين كطرف لابد من أخذه في الحسبان في أي جهود لدفع التسوية ليس نبأً جيداً لنتنياهو.
أما المتغيرات فأهمها موقف ترامب المشوش والمرتبك، فهو في سعيه لنيل ترشيح حزبه يدلي بتصريحات تفهم منها الحيْدة بين الطرفين، ثم يبالغ في حملته للفوز بالرئاسة في تأييد إسرائيل إلى حد التعهد بنقل السفارة الأميركية إلى القدس فور فوزه، ويحاول بعد هذا الفوز أن يعرقل قرار مجلس الأمن الذي يدين الاستيطان، ثم يُبدي بعد تنصيبه نوعاً من التعقل في نقل السفارة وبدرجة أقل في تأييد الاستيطان، ويفاجئ الجميع بحديثه عن عدم التمسك بحل الدولتين ثم لا يصر على ما قال. ولا يمكن أن يُواجه موقف متذبذب كهذا إلا برؤية سليمة متكاملة صلبة تتحسب لكل ما يمكن أن يُطلب من المفاوض الفلسطيني من تنازلات تصفي حقوق شعبه وتطرح البدائل، وليت الرئيس الفلسطيني قبل إتمام الزيارة يدخل في مشاورات واسعة وحقيقية مع الفصائل الفلسطينية كافة بما في ذلك الفصيل المختلف معه داخل «فتح» ذاتها، وليته أيضاً يُعِد العدة لموقف يطرحه على القمة العربية القادمة طلباً لظهير عربي في أي مفاوضات قادمة.
*نقلا عن صحيفة الاتحاد